يكرم مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة ، في اطار الأنشطة الموازية لنسخته السابعة من 23 الى 28 شتنبر 2013 ، نجم الجلسات الصباحية لمناقشة أفلام المسابقة الرسمية الناقد السينمائي والباحث السوسيولوجي الراحل محمد الدهان ، الذي قدم ، كمنشط لتلك الجلسات ضمن اللجنة التنظيمية ، خدمات جليلة لهذه التظاهرة السينمائية المتخصصة في الأفلام المتمحورة حول تيمة المرأة .
وهذا ان دل على شيء فانما يدل على أن ادارة هذا المهرجان المتميز لا تتنكر لمناضليها من المثقفين والفنانين والسينفيليين والجمعويين والصحافيين والاداريين وغيرهم الذين لولا تظافر جهودهم جميعا لما وصل مهرجان سلا ما وصله من اشعاع وطني ودولي .
ومعلوم أن الراحل محمد الدهان ( 31 دجنبر 1953 – 17 فبراير 2013 ) يعتبر أحد كبار الجمعويين والنقاد السينمائيين المغاربة الذين ناضلوا على الواجهة الثقافية داخل حركة الأندية السينمائية وخارجها وساهموا ، على امتداد عقود من الزمان ، في نشر الثقافة السينمائية على نطاق واسع عبر الأندية السينمائية والجامعة المغربية ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والورقية والالكترونية .
لقد مارس التنشيط السينمائي منذ أواخر الستينات من القرن الماضي والى حدود سنة 1984 بمكناس والرباط ومدن أخرى داخل ” الاتحاد المغربي للنوادي السينمائية ” وبعده في اطار ” الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب ” ، التي يعتبر أحد مؤسسيها البارزين يوم 11 مارس 1973 الى جانب الأستاذ نور الدين الصايل وآخرين ، وراكم تجربة معتبرة في تنشيط جلسات مناقشة الأفلام وفي تسيير الندوات العلمية المرتبطة بتخصصه السوسيولوجي أو المشاركة فيها . الا أن ما يلاحظ عليه وعلى غيره من كبار أسماء حركة الأندية السينمائية بالمغرب وثلة من المثقفين المغاربة البارزين هو ندرة نصوصه النقدية والثقافية والعلمية المنشورة ، مقارنة مع تدخلاته الشفوية العديدة في المهرجانات السينمائية التي اعتاد حضورها بانتظام كالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة ومهرجان السينما الافريقية بخريبكة ومهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة وغيرها . فلم يعط الراحل قيد حياته أهمية كبرى لتدوين أفكاره وتحليلاته ومواقفه وتصوراته لواقعنا الثقافي والفني ، ورقيا أو الكترونيا ، الا في سنواته الأخيرة ، حيث نشر بعض المقالات والأبحاث السوسيولوجية والسينمائية وفتح مدونة خاصة به على الشبكة العنكبوتية ، منذ نونبر 2009 ، ضمنها بعض كتاباته المتمحورة حول السينما والتلفزيون تاريخا ونظرية وأخبارا وتغطيات وغير ذلك .
لقد تربى محمد الدهان في أحضان حركة الأندية السينمائية منذ كان تلميذا بالثانوي في مكناس ، وزاد ارتباطه بهذه الحركة عندما انتقل الى الرباط لمتابعة دراسته الجامعية في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والأنتروبولوجيا وغيرها من العلوم الانسانية حيث تحمل مسؤولية التسيير في مكتب نادي الرباط السينمائي وفي أول مكتب وطني لجامعة الأندية السينمائية برئاسة صديقه نور الدين الصايل ، وكان واحدا من الذين أسسوا تظاهرة السينما الافريقية بخريبكة سنة 1977 الى جانب الصايل وغازي وأطر النادي السينمائي بخريبكة والمكتب الشريف للفوسفاط كعبد الحق بوزيد وغيره .
شاهد الراحل الدهان المئات من روائع السينما العالمية وقرأ العديد من الكتب والمجلات السينمائية وشارك في جملة من الندوات ولجن التحكيم والمهرجانات السينمائية الوطنية والأجنبية ونشط العديد من جلسات مناقشة الأفلام ونظم تظاهرات علمية جامعية (ندوة دولية سنة 1993 حول السينما والتاريخ والمجتمع ) ونشر بعض المقالات في منابر مختلفة وأنتج ونشط من 1987 الى 1990 برنامجا تلفزيونيا أسبوعيا بعنوان ” الشاشة الكبرى ” بالقناة الأولى للتلفزيون المغربي ، استضاف من خلاله العديد من وجوه السينما الوطنية والعربية والعالمية ، كما أنتج ونشط سنة 1987 برنامجا اذاعيا بالقسم الفرنسي لاذاعة الرباط بعنوان " ميكرو – سكوب " وألقى دروسا في تاريخ السينما بالمعهد العالي للفن الدرامي والتنشيط الثقافي بالرباط سنة 1986 . وكان حضوره في أي مهرجان سينمائي يعتبر مكسبا نظرا لما كان يضفيه من حيوية ملحوظة على الجوانب الثقافية للمهرجان بفضل ثقافته السينمائية الموسوعية وتدخلاته العميقة في الندوات وجلسات مناقشة الأفلام وغيرها . كرم علميا يومي 3 و 4 ماي 2012 من طرف " نادي السوسيولوجيا الحضرية " بكلية الآداب والعلوم الانسانية أكدال بالرباط حيث كان يعمل كأستاذ للتعليم العالي متخصص في السوسيولوجيا ، وكرم سينمائيا سنة 2013 في افتتاح الدورة 16 لمهرجان السينما الافريقية بخريبكة الذي ترأس لجنة تحكيم مسابقة دورته الخامسة عشر سنة 2012 ، وذلك بعد تأبينه من طرف الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب ،رفقة صديقه الراحل غازي فخر عبد الرزاق ، في مجلسها الوطني التاسع عشر المنعقد بالدار البيضاء يوم 10 مارس الأخير .
نتمنى أن يتم التفكير بجدية في تجميع نصوصه النقدية والصحافية ودراساته العلمية المبعثرة هنا وهناك ، في الصحف والمجلات المغربية والأجنبية وفي بعض المنشورات الجامعية ، واصدارها في كتب ورقية أو الكترونية ليستفيد منها عشاق السينما والطلبة وغيرهم .